jeudi 18 juillet 2024

سنتان لإخراج تيسمسيلت من العزلة والتهميش

 




سنتان لإخراج تيسمسيلت من العزلة والتهميش






سنتان لإخراج تيسمسيلت من العزلة والتهميش
 بقلم : مبعوث "الخبر" إلى تيسمسيلت.. نوار سوكو 4430 قراءة
22 فيفري 2024 (منذ 5 أشهر)

38serv

+ -
رغم اجتيازها لمرحلة عبور الصحراء من فرط سنوات الجمر التي عاشتها بلدياتها وقراها ومداشرها خلال العشرية الدموية، إلا أن تيسمسيلت ظلت تواجه التهميش في صمت ولم تستفد من البحبوحة المالية على نحو ما استفادت منه ولايات أخرى قبل نحو 15 عاما، رغم أنها كانت مصنفة في خانة أفقر الولايات.

فالزائر اليوم لهذه لولاية، يقف على أسوار العزلة التي لا تزال مضروبة عليها وتسببت في تحويل بلدياتها وقراها ومداشرها إلى أحزمة لـ (الميزيرية) في ظل غياب التنمية والاستثمار، مع أنه كان يفترض أن تكون امتدادا لـ "ميتروبول" العاصمة، ويجعل منها فعلا عروس الونشريس؛ لأنها غنية بمقوماتها الطبيعية، بأراضيها الفلاحية الشاسعة ومواقعها السياحية الرائعة غير المستغلة. ومع ذلك، فإن الأجواء الآخذة في التشكل كما وقفنا عليها، هي أجواء التفاؤل وسط مسئولي وساكنة الولاية ممن يرون في البرنامج التكميلي الذي أقره الرئيس عبد المجيد تبون للولاية، أنه مخطط إنقاذ، كفيل بإخراج تيسمسيلت في غضون عامين من العزلة والتهميش والفقر، يشمل انجاز أربع طرق وطنية ويتكفل بقطاعات الصحة والفلاحة والري والسكن والصناعة والتعليم 
والسياحة.. الخ 





الولوج إلى تيسمسيلت نحو (200 كم) إلى جنوب غرب لعاصمة، لم يكن سهلا عبر الطريق الوطني رقم 14 من خميس مليانة إلى بلدية العيون على مسافة 84 كم، فبحالته القديمة والوعرة، ظل يشكل مصدر متاعب جمة لسالكيه في ظل زيادة معدل الحركة المرورية.. إنه أحد أبرز أسوار العزلة، لكن ما إن تصل إلى منطقة العيون، تبدأ تيسمسيلت تكشف عن حلة أراضيها؛ إذ يغلب على المنطقة النشاط الفلاحي، ولاسيما الحبوب، إذ تحوز على مساحات فلاحية شاسعة تتربع على 189 ألف هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، منها 145 ألف هكتار أراضي مستغلة، أي بنسبة 77 بالمائة، في محاصيل الحبوب (القمح بنوعيه، الشعير)، الأعلاف، الأشجار المثمرة.

 

الجفاف.. عدو جديد

 

وتشير مراجع تاريخية، وحتى بعض الشيوخ من أعيان تيسمسيلت، أن المنطقة هي بلاد القمح بامتياز خلال الحقبة الاستعمارية وحتى بعد الاستقلال، إذ كان القمح بنوعيه آنذاك ينقل في شاحنات إلى ميناء مستغانم ومن ثمة يشحن في بواخر باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. بل واحتل قمح تيسمسيلت وتيارت صدارة أنواع القمح في العالم في مجال صناعة العجائن في أوروبا. أما الكروم التي كانت تمتد على مساحات شاسعة بمنطقتي برج بونعامة وتاسلامت، فكانت تجود بأجود وأحسن الخمور في العالم، كانت تسوق إلى فرنسا وأوروبا.

ويرى مدير المصالح الفلاحية لولاية تيسمسيلت، محمد علي مودع، أن "مردود غالبية المساحات لا يزال رهينة التساقطات المطرية، على اعتبار أن أغلب المناطق الفلاحية تفتقر للمياه الجوفية.."، قبل أن يضيف "الولاية تضررت من موجة الجفاف خلال موسم 2023 وانعكس ذلك على الإنتاج الذي لم يتجاوز 7 آلاف قنطار..".

وباستثناء منطقتين فقط تعتمدان على محيطي سقي، واحدة من سد بوغارة وأخرى من سد مغيلة، فإن المساحة المسقية العام الماضي، لم تتجاوز 3600 هكتار، يحدث ذلك في وقت تسعى فيه السلطات العليا إلى جعل المحاصيل الكبرى (القمح بنوعيه.. الخ)، حجر الزاوية في تحقيق الأمن الغذائي للبلاد وخفض فاتورة استيراد الغذاء التي مازالت تضغط بثقلها.

 

تحويل المياه المصفاة للسقي

 

إذ تنظر الدولة لولاية تيسمسيلت، عروس الونشريس، على أنها قادرة على تقديم قيمة مضافة في المجال الفلاحي، بالنظر لشساعة أراضيها. ولأجل ذلك، قررت دعم الولاية ببرنامج تكميلي، يشمل عمليتين تهدفان للتخفيف من وطأة شح الموارد المائية في ظل الجفاف المتواصل، إذ ستستفيد الولاية من محيط سقي متواجد بمنطقة عين الصفا على امتداد 300 هكتار، وهو محيط في طور الانجاز، بالإضافة إلى إعادة الاعتبار لقنوات السقي بمحيط السقي سد بوغارة.

ويقول رئيس مصلحة الري الفلاحي بمديرية الموارد المائية، عبد العزيز صبيان: "إن مشروع انجاز محيط السقي على مساحة 300 هكتار، يكون انطلاقا من محطة تصفية المياه المستعملة لتيسمسيلت، رصد له مبلغ مالي يقدر بـ500 مليون دج، إلى جانب عملية أخرى تدخل في إطار البرنامج التكميلي القطاعي الممركز لقطاع الري، ممثلة في دراسة وانجاز وتأهيل وعصرنة وتوسيع محيط السقي بسد بوغارة بمبلغ مالي قدره مليار و400 مليون دج، على مسافة 29 كم، تشمل توسعة المحيط إلى 500 هكتار، فضلا عن 750 هكتار المجهزة سابقا..".

ويرتقب أن يسهم هذا المشروع في الحفاظ على الثروة المائية، خصوصا وأن المسئول ذاته، يشير إلى أن التسربات من القنوات القديمة الخاصة بالسقي، تتجاوز 40 بالمائة، في حين بلغ الحجم المستهلك من المياه خلال حملة السقي لعام 2023 ما مقداره 480 ألف متر مكعب، لسقي 104 هكتار.

وموازاة مع ذلك، تواصل مصلحة الري الفلاحي، منح رخص حفر الآبار للفلاحين، ولو بشكل حذر في ظل بقاء كثير من الأوعية العقارية الفلاحية من غير تسوية إلى غاية اليوم، كونها أرض شيوع. إذ من أصل 78 ملفا تم دراسته، سنة 2023، تم منح 34 موافقة (رخصة) ورفض 26 ملفا، ولو أن القائمين على تسيير قطاع الري يجمعون على أن الأطر التقليدية للسقي لا تزال تحكم دهنيات الفلاحين، مما يتسبب في ضياع كميات هائلة من المياه.

وتطمح مصالح الموارد المائية بالولاية إلى استغلال المياه المصفاة من جانب انجاز أنظمة تصفية المياه المستعملة عبر 8 بلديات، التي تدخل في إطار البرنامج التكميلي، ما يسمح باستعادة ما حجمه 8 مليون متر مكعب من المياه المصفاة التي ستسمح بسقي مساحة تفوق 600 هكتار.

 

خطة لإنعاش الفلاحة

 

لكن إلى أي مدى تبقى تيسمسيلت تنتظر التساقطات المطرية لإحراز وثبة في قطاع الفلاحة، وماذا لو استمرت موجات الجفاف، هل نربط مستقبل ولاية ذات خصوصية فلاحية بهذا المعطى الطبيعي؟ هذا السؤال طرحناه على مدير الغرفة الفلاحية للولاية علي باي قادة، الذي أجاب "تيسمسيلت تواجه جملة من العوائق حالت دون تحقيق نهضة فلاحية، بينها الموارد المائية الضعيفة، نتيجة قلة المياه الجوفية، إضافة إلى قلة التساقطات المطرية، ناهيك عن الطبيعة الغابية والجبلية. أما القوة القاهرة الأخرى، فهي أراضي الشيوع وتعد من أهم المشاكل المطروحة، إذ أن الذين حازوا على عقود الامتياز عددهم مرتفع وأعمارهم تصل 70 عاما.. ما جعل المشاكل تتفاقم بين الورثة بشأن من له الحق في استغلال الأرض..".

قبل أن يضيف "منذ 2017 تدهور الوضع وأصبح الجفاف بتيسمسيلت 100 بالمائة، لكن وحتى لا نبقى مكتوفي الأيدي أمام هذا الوضع، قام الوالي بتشكيل اللجنة الولائية للتوجيه والتنشيط الفلاحي، تضم كل الفاعلين.. بينها قطاعا الطاقة والري لضبط إستراتيجية إخراج القطاع من الوضع الراهن.."، وتابع "إستراتجيتنا ستبنى على الوقائع الميدانية للقطاع وانشغالات الفلاحين وتثمين القدرات الفلاحية للولاية؛ من خلال تشكيل خارطة جغرافية لمعرفة نوعية الأراضي حسب المناخ السائد..". وتنقسم إلى أربع (4) مناطق، أراضي غابية، ثم فلاحية رعوية مثل ما هي عليه في المنطقة الجنوبية، أراضي جبلية، وأخيرا المنطقة التي تتوفر على مؤهلات ذات مردود فلاحي جيد، المتواجدة بعماري وتيسمسيلت وأولاد بسام.. ويمكن إعداد الإستراتيجية لمعرفة أنواع النشاط الفلاحي بعد تصنيف المناطق.

 

مخازن سعتها تقارب مليوني قنطار

 

وقد استفادت تيسمسيلت في إطار البرنامج التكميلي من 9 مخازن للحبوب بسعة 450 ألف قنطار، يرتقب انجازها عبر بلديات الولاية، إلى جانب مخزن بسعة مليون قنطار سيتم انجازه بالقرب من محطة القطار بقلب المدينة، ناهيك عن مخزن آخر بسعة 250 ألف قنطار في طور الانجاز ببلدية خميستي.

وموازاة مع ذلك، لا تزال مساع ربط المستثمرات بالكهرباء متواصلة، ويقول مدير المصالح الفلاحية "الولاية استفادت من برنامجين لربط المستثمرات بالكهرباء الفلاحية منذ 2022، ففي البرنامج الأول الذي أقره رئيس الجمهورية، تم ربط 59 مستثمرة بالكهرباء على مسافة 39 كم، أما البرنامج الثاني المندرج في إطار البرنامج التكميلي فعملية الربط وصلت إلى 45 بالمائة..".

وموازاة مع ذلك، فقد استفادت تيسمسيلت في إطار عملية التحسين العقاري (فتح المسالك الفلاحية) من 3 عمليات في إطار البرنامج التكميلي، تشمل مساحة تقدر بـ4500 هكتار عبر مختلف بلديات الولاية، على مسافة 58 كم، إلى جانب تهيئة المسالك هذه على مسافة 30 كم.

ويقول المسئول ذاته "هذا الدعم من شأنه تحفيز الفلاحين وتشجيعهم على استصلاح الأراضي ورفع المردود واستقطاب مزيد من المستثمرين.."، ولو أن أهم تحد يجب رفعه، حسبه، هو "رفع المساحة المسقية إلى 5000 هكتار وتطوير شعبة الأشجار المثمرة المقاومة للجفاف مثل الفستق واللوز، التفاح والزيتون.."، في انتظار اقتراح برنامج خاص بالحواجز المائية لاستغلال مياه الأمطار في السقي الفلاحي وتغذية الطبقات الخاصة بالمياه الجوفية.

ومع ذلك، فإن القناعة التي تسكن القائمين على تسيير القطاع، تنطلق من أنه حان الوقت لضبط إستراتيجية؛ تقضي إلى إدخال طرق وتقنيات جديدة لإحداث قطيعة مع ما يسمونه طرقا تقليدية قديمة، بالنظر للذهنيات الاتكالية لفلاحين مازالوا يعتمدون كليا على مياه الأمطار، بدل أن تحركهم روح المبادرة، ويتم ذلك بالشروع في تنظيم أيام تقنية وتحسيسية، فضلا عن تنظيم زيارات إرشادية.

 

مقدرات هائلة

 

ومع أن تيسمسيلت ولاية سهبية رعوية، تحصي 195 ألف رأس من الغنم، و8600 رأس من البقر، و40 ألف رأس من المعز، و380 رأس من الخيول، إلا أن ساكنة مدينة تيسمسيلت تقول إن الكلغ من لحم الخروف لا يقل عن 2000 دج، فيما تمتد على تراب الولاية أزيد من 1000 منشأة لتربية الدواجن، فضلا عن 7 مذابح و7 مسالخ.

 

امتدادا للعاصمة

 

ورغم مرور 40 عام على ترقية تيسمسيلت إلى ولاية (1984)، الواقعة على بعد نحو مائتي (200) كم جنوب العاصمة، إلا أن الزائر للمنطقة التي يغلب عليها الطابع الغابي بنسبة 70 بالمائة، قد يتساءل اليوم عن أسوار العزلة التي لا تزال مضروبة على الولاية، فلا هي كشفت عن وجهها كوجهة للاستثمار في الفلاحة والإسهام في التنمية المحلية، ولا هي تحولت إلى مقصد سياحي بالنظر لمقوماتها الطبيعية من غابات ومسارات سياحية وأخرى حموية ودينية.. ولا هي وجهة مشجعة على الاستثمار في باقي المجالات الأخرى كالصناعة التحويلية والخدمات.. الخ، مع أنه كان يفترض أن تكون تيسمسيلت واحدة من أبرز المدن التي تشكل امتدادا لمتروبول العاصمة، مثلها مثل تيبازة والبليدة وبومرداس.. تكون متنفسا إضافيا لساكنة العاصمة وباقي الولايات الوسطى الأخرى.

ويرى بعض من أبناء المنطقة، أن العزلة هذه تركت ارتداداتها العميقة في المنطقة حتى أنها صنفت في خانة أفقر الولايات عبر الوطن، ولعل أهم عامل ساهم في ذلك، الطرقات الوطنية التي لا تزال في حالاتها المتردية منذ الحقبة الاستعمارية.. وقاد هذا الوضع الذي تعيشه تيسمسيلت، الحكومة إلى عقد اجتماع خاص بمقر هذه الولاية شهر نوفمبر من عام 2022.

وتكون الحكومة آنذاك خرجت بتوصيات قدمت للرئيس تبون، بشأن الطرق والصيغ الممكنة لبعث الروح في هذه الولاية التي همشت وأقصيت ولم يتم الالتفات إليها خلال مرحلة البحبوحة المالية.

وما عرفناه في أعقاب تنقلنا في إرجاء الولاية، أن الوضع السائد بها ظل محل متابعة من قبل السلطات العليا منذ اجتماع الحكومة في نوفمبر من عام 2022. وقد قدم والي تيسمسيلت في معرض إجابته على عدد من أسئلة أعضاء المجلس الشعبي الولائي في الدورة المنعقدة يوم 30 من شهر جانفي الماضي وحضرتها "الخبر"، تفيد أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خص ولاية تيسمسيلت ببرنامج تكميلي خاص يشمل كافة المجالات، بينها الأشغال العمومية، والصحة، والسياحة، والفلاحة، والتعليم.. الخ

 

4 طرق وطنية لكسر أسوار العزلة

 

يقول مدير الأشغال العمومية، زين الدين برجي: "قطاع الأشغال العمومية بتيسمسيلت استفاد من 4700 مليار سنتيم تشمل الطرق الوطنية والولائية والبلديات، فضلا عن إصلاح الانزلاقات.."، موضحا بشأن الطرق الوطنية التي تربط الولاية بكل من عين الدفلى والمدية والجلفة والطريق السيار شرق غرب، قائلا "الطريق الوطني رقم 14 الرابط بين خميس مليانة (عين الدفلى) والعيون بتيسمسيلت على مسافة 84 كم، سيصبح طريقا مزدوجا في إطار البرنامج التكميلي، حصة الولاية من انجاز ازدواجيته هي 33 كم، والغلاف المالي الخاص به متوفر، على أن تنطلق الأشغال بعد إنهاء الإجراءات الإدارية الخاصة بمنح الصفقات، والدراسة الخاصة به أنجزت قبل ظهور البرنامج التكميلي، في حين وصلت الدراسة الخاصة بالشطر المتعلق بولاية عين الدفلى من خميس مليانة إلى العيون بتيسمسيلت إلى 40 بالمائة..".

أما الطريق الوطني رقم 127، يضيف، الرابط بين بلدية العيون بتيسمسيلت حتى قصر البخاري بالمدية على مستوى الطريق السيار شمال جنوب على مسافة 73 كم: هو "مشروع ازدواجية للطريق في إطار البرنامج التكميلي، تتولى حاليا أشغال انجازه شركات وطنية مثل "كوسيدار" و"سابطا" للجسور و (sntp) و(eptt)، ووصلت 20 بالمائة، في حين حددت 18 شهرا كمهلة لانجازه..".

وبشأن الطريق الوطني رقم 120، الرابط بين بلدية العيون بتيسمسيلت وحدود ولاية الجلفة، هو "مشروع ازدواجية للطريق في إطار البرنامج التكميلي والأشغال جارية به بنسبة 30 بالمائة، تتولى انجازه شركات مختلطة خاصة ومؤسسة وطنية وهي شركة جسور باتنة..". كما استفادت الولاية أيضا في إطار البرنامج التكميلي الذي أقره الرئيس تبون من "مشروع آخر في إطار البرنامج التكميلي يتمثل في ازدواجية الطريق الوطني رقم 14 الرابط بين تيسمسيلت وولاية تيارت، وصلت به الأشغال إلى 45 بالمائة، في حين لم تشرع ولاية تيارت في انجاز مقطعها على مسافة 30 كم ولا تزال قيد الدراسة..".

 

ستخلق حركية اقتصادية

 

ويرى مدير الأشغال العمومية أن "الطرقات الوطنية الأربع على طول 136 كم التي حددت لها مهلة نهاية 2025 لتسليمها، ستسهم في خفض الحجم الساعي للتنقل لهذه الولاية، وهو أحد أهم مطالب المستثمرين الأساسية، وبالتالي إنهاء العزلة، ناهيك عن خفض معدل حوادث المرور.."، وتابع ".. ويعني انجاز هذه الطرق الوطنية الأربع، أن يصبح لتيسمسيلت منفذ في القريب العاجل على الطريق السيار شمال جنوب، يسمح بخلق حركية اقتصادية وجلب مزيد من الاستثمارات. أما على المدى المتوسط، حين تكمل ولاية عين الدفلى الشطر المتبقي من الطريق الوطني رقم 14، سيصبح لتيسمسيلت منفذ مباشر على الطريق السيار شرق غرب. وعندما تكمل ولاية الجلفة مقطعها من ازدواجية الطريق الوطني رقم 120 على مسافة 16 كم، يصبح لدينا أيضا منفذ إلى الطريق الوطني رقم 40 الذي سيصبح مستقبلا هو الطريق السيار للهضاب العليا..".

ويعني ذلك أن عروس الونشريس ستصبح منفتحة على الوجهات الأربع، الشرق والغرب والشمال والجنوب، على نحو يخلق حركة تجارية وينشط الجانب الاقتصادي في شقيه الفلاحي والصناعي ويستقطب مزيدا من السياح بما يحسن الجانب الاجتماعي ويصنع إمكانات مستقبل واعد.

 

تقاليد بالية..!

 

ومع ذلك، المشهد العام الذي يشد كل زائر لمدينة تيسمسيلت، هو المقاهي المكتظة عن آخرها منذ الصباح حتى الظهيرة، فهذا (الفضاء) مازال يحافظ على سلطته التقليدية كمكان للالتقاء، ففيه يتبادل سكان القرى والمداشر ما استجد من معلومات محلية. بل على أرض مدينة تيسمسيلت يتقاطع الدين مع الخرافة والشعوذة والطقوس المشوبة أيضا بالجهل والغفلة، ففي ساحة الوئام تحضر الحشود البشرية من كافة بلديات وقرى ومداشر الولاية لحضور بعض حلقات المداحين والبراحين والاستماع إلى النكت الشعبية، وأيضا بعض الخرافات والسلوكيات البهلوانية.

بل إن ما يدعو للدهشة، هو ظاهرة القبب التي لا تزال منتشرة عبر عدد من مناطق الولاية، يتبرك بها الناس وينظرون إليها على أنها مصدر بعض المعتقدات التي تملي عليهم ارتكاب حتى بعض الأعمال المشينة التي لا تكرس إلا الجهل الأعمى: "فيما ينقل مواطنون آخرون شهادات أخرى لأشخاص يزورون تلك القبب ويأكلون التراب"، فكيف تحضر مثل هذه التقاليد الخرافية في منطقة لا تبعد عن العاصمة إلا بنحو مائتي كم؟ إذ كان من المفترض أن يتم توجيه هذا الخزان الهائل من الطاقات الشبانية إلى قطاع الفلاحة والسياحة والخدمات؛ بتحفيزهم وتشجيعهم للالتحاق بمراكز التكوين لتخريج دفعات منهم كمرشدين سياحيين وآخرين مبدعين في الصناعات التقليدية.. الخ

 

سماسرة الانتخابات..!

 

وموازاة مع ذلك، يقر مواطنون من بلديتي سيدي سليمان وبوقايد، أن الشريط المتكون من بلديات سيدي سليمان، بوقايد، لرجام، بني شعيب، بني لحسن، الأربعاء، المعاصم، مازال عبارة عن حزام للبؤس، كونها بلديات جبلية، لا يزال فيها قطاع التعليم بحاجة إلى تأهيل ولا تزال فيها نسبة الأمية مرتفعة جدا، إذ لا يزال تعليم المرأة بها ضمن الطابوهات، وعادة ما يتوقف تعليمهن في الطور الابتدائي، فيما يقول آخرون: إنها بلديات تم إدراجها ضمن البلديات الأكثر فقرا.

والواقع، أن المنتخبين المحليين رفقة بعض رؤساء الدوائر، يتحملون جزءا من مسئولية البؤس الجاثم على الناس، نتيجة شح النقل المدرسي ودرجة الصفر للخدمات الصحية والوضع الكارثي للطرقات وملابسات أخرى ذات صلة بالتعامل مع المواطنين. ويقول قادة ابن بلدية بوقايد "المنتخبون المحليون، ينظرون إلى هذه البلديات الجبلية على أنها خزان انتخابي، ينشط فيها سماسرة الانتخابات ويمطرون الناس بالوعود، وما إن تنتهي الانتخابات، تعود هذه القرى والمداشر إلى بؤسها ويأسها، فهؤلاء لا تهمهم إلا مصلحتهم الشخصية..".

 

مخطط توجيهي.. على الورق!

 

كان يفترض منذ 40 عاما، أن تلقى ولاية تيسمسيلت مصيرا أفضل بالنظر للقدرات الطبيعية التي تزخر بها، كالمواقع السياحية الطبيعية الرائعة غير المستغلة، خصوصا وأن الغابات تغطي 24 بالمائة من إجمالي المساحة، أي 71 ألف هكتار، تشكل وجهة سياحية فريدة في أحضان طبيعة الونشريس، بدل أن تبقى خطابا يردده المسئولون دون أثر. ويرى مدير السياحة خميسي مشوك أن "السياحة بتيسمسيلت مبنية على المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية للولاية المصادق عليه يوم 25/2/2015، هو خريطة طريق لتنمية هذا القطاع حتى أفق 2030، قسم الولاية إلى ثلاثة أقطاب سياحية.. الأول هو ثنية الحد؛ أين تتواجد الحظيرة الوطنية للأرز الأطلسي النادرة، يدعمه في ذلك قطب برج الأمير.. أما القطب السياحي الثاني، يضيف: "يتمثل في المنابع الحموية لسيدي سليمان الواقعة على سفوح جبل الونشريس على بعد 70 كيلومترا إلى شمال مدينة تيسمسيلت ولها خواص علاجية كالروماتيزم، الأمراض الهضمية والجلدية، ولكن بقيت عملية استغلالها تقليدية.. أما الثالث؛ فهو قطب تيسمسيلت الحضري الذي سيصبح همزة وصل بين الوسط وغرب البلاد والوسط الشرقي".

وترافق هذه الأقطاب الثلاثة أقطاب سياحية أخرى داعمة لها، هي القطب السياحي بوقايد، لرجام وبرج الأمير عبد القادر، تهدف جلها إلى تثمين الوجهة السياحية، عقلنة الاستثمار، تحسين نوعية الخدمات وتنمية الشراكة بين جميع الفاعلين.

 

سياحة غير مستغلة

 

وتمثل الغابات أبرز الإمكانات السياحية الطبيعية، وبها الحظيرة الوطنية لثنية الحد، تمارس فيها عدة نشاطات، رياضية، ترفيهية، ايكولوجية، استكشافية، إلى جانب غابة عين عنتر التي توفر فرصا للسياحة الرياضية كتسلق الجبال، المشي، العدو الريفي. ومن بين القدرات الطبيعية الأخرى؛ نجد منابع حموية بمنطقة سيدي سليمان على سفوح جبل الونشريس، وكذا بلدية الملعب، لا تزال إلى غاية اليوم مستغلة على نحو تقليدي، فضلا عن المسطحات المائية، وهي فضاءات رائعة يتردد عليها الزوار باستمرار خلال فصلي الربيع والصيف، كسد بوغارة وسد كدية الرصفة والمجمع المائي سيدي عبدون، إلى جانب مناطق أثرية مدرجة ضمن المسارات السياحية الثقافية، كمنطقة تازة، وعين الصفا، وعين تكرية.

وموازاة مع ذلك، تم اقتراح مناطق توسع سياحي مثل منطقة سيدي بن طمرة بمدينة تيسمسيلت على مساحة 46 هكتارا لانجاز فندقين، وقرى للعطل وإقامة فندقية وفضاء للعب والترفيه ومساحة تجارية، وهو استثمار خاص يسري عليه القانون الجديد للاستثمار. أما بشأن الاستثمار العمومي، فتم تسجيل 7 عمليات، منها 5 جديدة وعمليتان رفع عنها التجميد، فيما تم تسجيل 7 مشاريع ضمن الاستثمار الخاص منحت في إطار حق الامتياز، تتمثل في انجاز فنادق، إقامات سياحية، محطة حموية، حديقة تسلية وترفيه، بينها مشروع بمنطقة ثنية الحد وآخر بسيدي سليمان والباقي بقلب مدينة تيسمسيلت، بعض من أصحاب هذه المشاريع اصطدموا بعراقيل، لكن الوالي تدخل قبل أشهر ووقف إلى صفهم وقرر رفع العراقيل عن انجاز مشاريعهم.

ما عرفناه من لدن مدير السياحة، أن قطاعه استفاد من اليد الممدودة للدولة الماثلة في البرنامج التكميلي، وقال "إذا تم رد الاعتبار لسيدي سليمان، موطن المنابع الحموية في إطار البرنامج التكميلي، ستتحول إلى وجهة سياحية بامتياز..".

وموازاة مع ذلك، يجري الترتيب حاليا لانجاز مشروع خاص بانجاز قرية سياحية ومخيم للشباب بثنية الحد تابع لمديرية الشباب والرياضة، والأمر ذاته بالنسبة لمدينة تيسمسيلت، إذ يرتقب بعد إنهاء أشغال منطقة التوسع لسياحي بسيدي بن طمرة، أن تبرز مشاريع سياحية جديدة بمدينة تيسمسيلت، يدعمها مشروع خاص أيضا يتمثل في حديقة للتسلية والترفيه المتربعة على 14 هكتارا.

وبوسع الزائر لتيسمسيلت أن يكتشف بعدا آخر للسياحة؛ يتمثل في السياحة الدينية بالنظر للزوايا الموجودة، مثل زاوية سيدي بن ثمرة وأضرحة للأولياء الصالحين، فضلا عن الطقوس الأخرى المتعلقة بالحكايات الشعبية، والوعدة ومهرجان الأغنية الشعبية وحلقات المديح والألغاز، ويتساوق ذلك مع خصوصية الإنسان التي تميل إلى التسامح وإكرام الضيف، في وقت تشير فيه مصالح الأمن إلى أن نسبة الإجرام بشكل عام والطلاق ضعيفة جدا.

 

قطار الاستثمار شبه متوقف!

 

وترتب مصالح مديرية الصناعة بتيسمسيلت لبعث الروح في قطار الاستثمار الذي ظل يواجه حالة الفتور منذ عشريات نتيجة أسوار العزلة المضروبة على الولاية، على نحو ترك ارتداداته الوخيمة على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وقال مدير الصناعة بالنيابة رشيد طراري: "نحن وفرنا مناخ استثمار في الولاية من جانب توفير أوعية عقارية، وذلك بعد تهيئة مناطق النشاطات لاستقطاب المستثمرين من داخل وخارج الولاية.."، وتابع "عدد ملفات الاستثمار محل دراسة حاليا هي 51 ملفا، تشمل الخدمات، الفلاحة، الصناعة التحويلية، البناء والأشغال العمومية..".

وتستوي عروس الونشريس على أربع مناطق نشاطات، تيسمسيلت، سيدي منصور، عين سدرة بخميستي وثنية الحد، على مساحة إجمالية تتربع على 57 هكتارا. وفي سياق إعادة بعث قطار الاستثمار، استرجعت مديرية الصناعة عقارات غير مستغلة من قبل أصحابها: "حاليا قمنا باسترجاع 80 قطعة أرضية تتربع على 47 هكتارا، ظلت لسنوات غير مستغلة من قبل مستثمرين متقاعسين لعدم احترام دفتر الشروط، على أن تمنح القطع هذه إلى مستثمرين جدد في إطار القانون الجديد..".

وإلى غاية اليوم، تحصي الولاية 10 مستثمرين فقط موزعين عبر مناطق النشاطات الأربعة، إلا أن القائمين على تسيير قطاع الصناعة يعولون على قطاع الأشغال العمومية من جانب فتح الطرقات الوطنية.. إذ استفاد قطاع الصناعة في إطار البرنامج التكميلي من عمليتين، تتعلقان باستحداث مناطق نشاطات بمحاذاة الطرق الوطنية المزدوجة، كالطريق الوطني رقم 120 الرابط بين تيسمسيلت والجلفة، والطريق الوطني المزدوج رقم 127 الرابط بين تيسمسيلت والمدية.

والواقع أن حالة الفتور التي تعتري مجال الاستثمار، ألقى بتداعياته على الجانب الاجتماعي والاقتصادي من جانب تزايد عدد العاطلين عن العمل، سواء من أصحاب الشهادات خريجي الجامعات أو ومعاهد التكوين، أو ضمن الفئات الأخرى. ويقول رضا، شاب اعتاد على بيع الهواتف النقالة بساحة 1 نوفمبر بقلب المدينة: "غالبية الشباب العاطل أصبحت وجهته الأولى هي التنقل إلى الولايات المجاورة، لعله يظفر بمنصب شغل ولو مؤقتا..".

 

سوق التشغيل شحيح..

 
المصدر 

samedi 13 juillet 2024

الخطوط الجوية الجزائرية: إطلاق رقم جديد خاص بمركز الاتصال

 

الخطوط الجوية الجزائرية: إطلاق رقم جديد خاص بمركز الاتصال



أطلقت الخطوط الجوية الجزائرية رقما جديدا خاصا بمركز الاتصال, كما أعلنت عن تحديثات جديدة تهدف إلى تسهيل الاتصال مع الزبائن, وفق ما جاء في بيان للمؤسسة هذا الأحد.

وتم إطلاق الرقم الجديد "3302 كبديل عن الرقم الثابت 021986363, الذي سيبقى يعمل مؤقتا", حسب البيان نفسه, وهو ما يتيح "التواصل بكفاءة مع جميع متعاملي الهاتف الثابت والنقال, بهدف تسهيل التواصل مع الزبائن وتحسين جودة الخدمة".

وفي السياق نفسه, عمدت المؤسسة إلى تمديد ساعات الخدمة لتشمل الاتصال على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع, وذلك لفترة تجريبية لمدة ثلاث أشهر, بدلا من الفترة المحدودة السابقة من الثامنة صباحا حتى الثامنة مساء.

واختتم البيان بإعلان الخطوط الجوية الجزائرية عن تزويد مركز الاتصال لديها بفريق يتحدث باللغة الإنجليزية, "لتعزيز التواصل مع الزبائن الناطقين بهذه اللغة"



Renault Algérie

 

Usine Renault Algérie Production (RAP) : Redémarrage en perspective


Inaugurée en 2014, l'usine RAP, implantée sur 150 hectares à Oued Tlelat, près d'Oran, avait atteint une capacité de production de 72.000 véhicules (Clio, Symbol et Dacia Sandero) en 2017. Cependant, elle a connu un arrêt quasi total, consécutivement à la suspension de l'importation des kits SKD-CKD en 2020.

Autrefois « Symbole » d’une fructueuse collaboration entre l'Algérie et la France et porte-étendard de l’industrie automobile en Algérie, l'usine Renault, basée dans la région industrielle de Oued Tlelat à Oran, est aujourd’hui plongée dans une mise en veille alors que l'usine se tient prête à reprendre vie.

C’est dans ce sillage que le ministre Ali Aoun a reçu, lundi 24 juin, l’ambassadeur de France en Algérie, Stéphane Romatet. Selon un communiqué du ministère, M. Aoun a évoqué à cette occasion plusieurs questions liées au secteur de l'industrie en Algérie en particulier le devenir de l’usine Renault.

Le 18 mai dernier, le directeur général Renault Algérie Production, M. Remi Houillons, donnait de très bonnes nouvelles concernant le projet. Il avait déclaré néanmoins que «malgré les travaux réalisés en 2023 pour mettre l'usine en conformité avec le nouveau cahier des charges, Renault n'a toujours pas reçu son agrément des services du ministère de l'Industrie».

Et d'ajouter: «Avec déjà près de 15 milliards de dinars investis pour la réalisation de l'usine et des travaux de mise en conformité avec la législation en vigueur, Renault Algérie Production est prête à redémarrer et servir ses clients au plus vite». «Depuis 2020, l'usine peine à redémarrer », selon le même site, qui note que «seulement 2 500 Symbol sont sorties de l'usine l'an dernier (CKD/SKD)». «Il s'agit du seul modèle qui était fabriqué par Renault sur place».

Hichem Nacer Bey, directeur général de Renault Algérie, a souligné récemment que l'usine est prête à reprendre sa production, mais l'agrément se fait toujours attendre. La demande d'agrément a été déposée fin septembre de l'année dernière, mais l'autorisation demeure insaisissable.

Le site spécialisé Automobile-Magazine avait expliqué dans un article que le «problème de fond» est que la branche algérienne de Renault n'était pas imaginée à l'origine pour se passer des importations et des montages en kit (CKD et SKD), que le gouvernement algérien a suspendus, il y a quatre ans.

Ces démarches officielles, bien qu'elles soient de bon augure, imposeront certaines réflexions cruciales et légitimes. Combien de temps durera cette remise à niveau et quelle démarche sera proposée par l'usine pour s'aligner sur les attentes des responsables du secteur, axées sur une réelle industrialisation automobile ?

Une «mise en attente» certainement justifiée par le département de l’Industrie. Le 12 mai dernier, le ministre Ali Aoun, qui était l'invité du forum économique du quotidien El Moudjahid, a déclaré que l'usine de Renault Algérie gagnerait à être améliorée du point de vue technologique.



العولمة الثقافية والأمركة







 العولمة الثقافية والأمركة



عندما تلحق الثقافة بالعولمة، يتبادر إلى الذهن كلمات ومصطلحات أصبحت تتردد في كثير من المؤتمرات والندوات العلمية، مثل: العولمة هي الأمركة، أي تعميم النموذج الأمريكي للحياة والسلعنة أي تعميم قيم السوق على الفعاليات الثقافية وتحويل الثقافة إلى سلعة وتهديد الهوية الثقافية، أو ما يرتبط بين أعضاء مجتمع واحد ويجعل منهم جماعة متفاعلة متواصلة وهي المصطلحات التي تتردّد كثيراً في الجلسات الدراسية التي تكرسها اللقاءات الثقافية التي تعقد في العالم أجمع في هذه الفترة لمناقشة ومواجهة التحديات التي تثيرها العولمة.

ومع بروز ظاهرة العولمة ظهر الجدل الفكري حول التحدي الذي تفرضه العولمة على السيادة الثقافية للدولة القومية، فالعولمة جاءت لتعبر عن وضع جديد غير عصر الحداثة، فإذا كانت الدولة القومية وليدة الثورة الصناعية الأولى نتيجة لفصل الدين عن الدولة، فإن العولمة وليدة الثورة الصناعية الثالثة، ونتيجة لفصل الأمة عن الدولة وبالتالي فصل لثقافة الأمة عن السيطرة التامة على الدولة بحيث أصبح للآخرين أيضاً تأثير فيها، وهذا ناتج في الأساس عن العولمة التي لا تعترف بالحدود، سواء كانت مادية أو غير مادية فهي تدعو إلى سوق بلا حدود في الجانب الاقتصادي، وهي  بالمثل تدعو إلى ثقافة بلا حدود.

فهل يؤدي الانفتاح المتبادل للفضاءات الاقتصادية والثقافية والإعلامية إلى الأمركة أو السيطرة الأحادية للولايات المتحدة الأمريكية، أم يقود بالعكس إلى

تطوير وتعميق التعدّدية الحضارية والثقافية والسياسية؟




يبدو أن طرح مسألة الانفتاح العالمي يشير دائماً إلى الآخرين كضحية محتملة، إن لم نقل حتمية، يوحي وكأن التهديد القائم بالنسبة إلى الهويات الجماعية ناجم عن توسیع دائرة التفاعل والاندماج بين الثقافات لا عن غياب استراتيجيات فعالة للثقافات الضعيفة والمجتمعات التي تحملها للاستفادة من هذا التفاعل، وللحد من آثاره السلبية. إنه أسلوب يعكس مخاوف الجماعات الضعيفة من المستقبل أكثر مما

يساعد على الكشف عن تغيير الشروط غير المتكافئة التي يحصل فيها هذا التفاعل والتي تفضي به إلى سيطرة الثقافات الأقوى والأكثر تطوراً ونضجا (٤٤) : وهبنا الله يؤكد برهان غليون أن التفكير في العلاقات بين الثقافات ليس موضوعاً جديداً




على النقاش العلمي والأيديولوجي العلمي، فقد صاغت الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع الثقافي مفاهيم عديدة وقوية لفهم الآليات التي تحكم صراع الثقافات أو

التثاقف» الذي سيطر على أبحاث العلماء

تفاعلها، ومن هذه المفاهيم العديدة مفهوم الحقبة الماضية، ومفهوم الاستلاب» الذي سبقه، والذي ارتبط بتحليل الآثار في السلبية العميقة التي تركتها الحقبة الاستعمارية وفي فترة لاحقة، وعلى هامش هذين المفهومين العلميين، تكاثرت الأبحاث التي تتحدث عن الهيمنة الثقافية والإمبريالية الثقافية، بل أكثر من ذلك، عن الغزو الثقافي، فهل تدخل الآثار التي ستتركها العولمة الثقافات البشرية في إطار هذه المفاهيم المتداولة والسابقة عليها، أم أنها تحتاج إلى في تطوير مفاهيم جديدة أكثر ملاءمة للأوضاع الناشئة عن دمج العالم إعلامياً واتصالياً، هذه الثقافات؟ وأكثر فاعلية إجرائية في فهم مستقبل العلاقات بين 

طبيعي الحال.

كما يرى برهان غليون فإن الأمركة ليست ثمرة للعولمة، ولكنها أحد أركانها. إن العولمة ليست نظاماً عالمياً أو نموذجاً عالمياً للحياة نشأ نتيجة تفاعل للثقافات العالمية، ولكنه نظام جديد من العلاقات بين الثقافات، كما هو الجماعات والدول والأسواق، نشأ في سياق صراع التكتلات الرأسمالية الكبرى على الهيمنة العالمية. إنه يعكس إذاً هذه الهيمنة في بنيته العميقة، ويكرّس الموقع المتميز للولايات المتحدة فيها بقدر ما يعكس المشاركة الرئيسية للرأسمالية الأمريكية في ثورة المعلومات وتؤدي هذه الهيمنة بما يلحقها من تطورات تقنية وتبدلات جيو - استراتيجية تعمل على تقريب المسافات وتوحيد أنماط الحياة المادية والفكرية، دوراً أساسياً ، في دمج الدوائر الثقافية المختلفة، وإنشاء فضاء ثقافي لمنتجات الثقافة الأمريكية بأن تروّج


مشترك، أو قائم فوق الثقافات القومية يسمح . وتنافس منتجات الثقافة الأخرى إلى حد كبير وبالمثل يرى عبد الإله بلقزيز أن تعميم النمط التجاري والسلعي على الثقافة والمنتجات الثقافية، يشكل سمة أساسية في العولمة الراهنة والمقبلة. ولا يمكن أن تجعل من هذا التعميم المحتوى الأهم للصيرورة الراهنة، ولا المحصلة الضرورية والحتمية لها، فالتوسع الرأسمالي ليس من منتجات العولمة، ولا نضيف شيئاً إلى هذا المفهوم إذا اقتصرنا في تحليله على إظهار توسع الرأسمالية، أو إذا اعتبرناه تجسيداً للتوسع الأفقي أو العمودي للرأسمالية. والرأسمالية سابقة على العولمة، بما ذلك ميدان الثقافة، وهذا هو الذي يفسر خضوع الثقافة بشكل أكبر فأكبر




لقوانين السوق وظهور الثقافة الجماهيرية وهي ليست كلها بالضرورة ظاهرة سلبية، ولعل المقصود بالسلعنة الإشارة إلى ما يتضمنه إخضاع الثقافة المنطق السلعة التجاري، من استلاب الإنسان المتزايد وتفاقم غربته في العالم الجديد يركز الذين يتحدثون عن الأمركة في الواقع على ما يمكن أن يؤدي إليه الانتشار الواسع لمنتجات الثقافة الأمريكية، وليس بالضرورة للثقافة، لكن هانتنغتون صاحب الكتاب الشهير صراع الحضارات يشرح بأن استخدام المنتج الأمريكي لا يؤدي بالضرورة إلى أمركة مستخدميه، حيث يقول: «الفكرة التي تدفع إلى الأمام لتطرح أن نماذج الاستهلاك الغربي والثقافة الشعبية حول العالم تخلق حضارة عالمية هذه المناقشة ليست عميقة ولا هي ذات أهمية أو صلة بالموضوع فالبدع الثقافية انتقلت من حضارة إلى حضارة عبر التاريخ، والاختراع في حضارة معينة كان في العادة يؤخذ من قبل حضارة أخرى، وهذه ذلك ، إما تقنيات مفتقرة في النتائج الثقافية المهمة، أو بدع تظهر وتختفي دون أن تغير الخلفية الثقافية للحضارة المستقبلة. هذه المستجلبات تؤخذ في الحضارة المستقبلة لها، إما لأنها مثيرة، أو لأنها مفروضة. في القرون الماضية، كان العالم الغربي في بعض الفترات يتغاضى عنه بالحماس لمنتجات ثقافية صينية أو هندية مختلفة. في القرن التاسع عشر، أصبحت المستجلبات الثقافية من الغرب ذات شعبية في الصين والهند، لأنها كان يبدو أنها تعكس القوة الغربية إن المناقشة الآن حول انتشار ثقافة البوب والسلع الاستهلاكية في العالم على أنها تمثل انتصار الحضارة الغربية معناها أنه يسفه الثقافة الغربية، إن الحقيقة القائلة بأن غير الغربيين ممكن أن يتشبئوا بالأخيرة ليس له أي دلالة لقبولهم الأولى وهي أيضاً ليست ذات دلالة بالنسبة إلى اتجاهاتهم نحو الغرب في مكان ما في الشرق الأوسط ستة أشخاص يمكن أن يرتدوا الجينز ويشربوا الكوكاكولا، ويستمعوا إلى موسيقى الراب (Rap) وخلال توجههم بخشوع إلى مكة يضعون معاً قنبلة لتفجير طائرة ركاب أمريكية. خلال السبعينيات والثمانينيات استهلك الأمريكيون ملايين السيارات اليابانية وأجهزة التلفزيون وآلات التصوير والمنتجات الإلكترونية دون أن يصيروا يابانيين، وفي الحقيقة أصبحوا بشكل واضح أكثر عدوانية نحو اليابان. والغرور الساذج فقط يمكن أن يقود الغربيين إلى الاعتقاد بأن غير الغربيين سيصيرون متمدنيين على النمط الغربي باكتساب السلع الغربية. ما الذي حقاً يعني قوله




للعالم عن الغرب عندما يعرف الغربيون أنفسهم وحضارتهم بالسوائل الغازية والبنطالونات ذات الموضع، والأطعمة الدسمة؟ . إن الرؤية الأن أصبحت أكثر تعقيداً، لأن التسلط لم يكن فقط على السلع الاستهلاكية ولكن على وسائل الإعلام. الهيمنة الأمريكية على صناعة التلفزيون والفيديو والسينما العالمية تتجاوز في هيمنتها حتى على صناعة الطائرات، فـ ٨٨ بالمئة من الأشرطة السينمائية الأكثر إقبالاً على مشاهدتها في العالم سنة ١٩٩٣ كانت أمريكية، وهناك مؤسستان أمريكيتان ومؤسستان أوروبيتان تسيطر على جمع ونشر الأخبار على مستوى العالم. هذا الموقف يعكس ظاهرتين: الأولى عمومية الاهتمام البشري بالحب والجنس والعنف والغموض والبطولة والثروة والثانية قدرة الشركات المدفوعة بالربح، خاصة الأمريكية، على استغلال هذه

الاهتمامات لمصالحها الخاصة.

وكما أنه لا يوجد دليل يدعم الافتراض بأن ظهور وسائل الاتصال العالمية المنتشرة يولّد التقاء مهماً للتحول الثقافي، فإن بني البشر يفسرون الاتصالات بحسب منظوراتهم وقيمهم القبلية الخاصة . بهم إن الصور المرئية نفسها يتم في آن واحد استقبالها في غرف المعيشة في جميع أنحاء العالم 

ويشير رونالد دور إلى أن ذلك قد يؤدي إلى ظهور ثقافة فكرية عالمية في ما بين الدبلوماسيين والمسؤولين العموميين، ومع ذلك فهو يصل إلى خلاصة عالية القيمة تتعلق بتأثير الاتصالات الحاد مع تساوي بقية الأشياء، فيقول: إن التزايد الحاد في الاتصالات سيؤكد الأساس المتزايد للمشاعر الأخوية بين الشعوب، أو على الأقل بين الطبقات الوسطى، أو حتى على أقل من ذلك بين الدبلوماسيين في العالم، وبعكس أشكال السيطرة الأخرى ليس من الممكن التأكد تماماً . من آليات السيطرة الثقافية، فالاحتفاظ بالاعتقادات والعادات مكبوتة أو سرية والتوليف الدائم بين منظومات القيم والأفكار والقدرة على تعايش المنظومات المنتمية إلى ثقافة وأجيال متباينة، كذلك التقنيع والتورية كلها آليات يصعب السيطرة عليها والتحكم بها، وهي التي تسير عالم الثقافة وحقوله المتشعبة. إن سيطرة ثقافة على أخرى لا يمكن أن تكون كاملة ولا مطلقة ولا يمكن أن تمنع المجتمعات بجزء من تراثها ومن الاتكاء عليه في هذه اللحظة أو

الخاضعة

من

الاحتفاظ




تلك لرمي الثقافة المسيطرة ، أو بدء حملة نقضها والتشهير بها. ومن هذه الفجوة الحتمية في السيطرة الثقافية ومن المعارضة التي يمكن أن تعتمد عليها، عندما توجد إرادة التحرر لدى المجتمعات تولد الثقافات المهزومة من جديد  العنا إن اعتبار ثقافة أمريكية في معناها الخاص، يعود إلى أن الوسائل والقدرات والمصالح والنيات والغايات التي تقود العولمة هي كلها أمريكية، فيما أن الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع اليوم بأدوات ووسائل القوة بمعناها الشامل، فإنها تحاول أن تسخّر العولمة لصالحها حتى يمكننا القول إن الخطط والأطروحات المتتابعة التي يشهدها العالم اليوم من أجل ولادة العولمة إنما ترتبط عموماً بالمشروع السياسي الأمريكي الجديد، وهو المشروع الساعي لتوحيد العالم من خلال رأسمالية

السوق


وعلى اعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب قوتها العسكرية وشبكتها التجارية والمالية تملك شبكة واسعة للاتصال، فتفوقها التكنولوجي أتاح لها أن تسيطر على ۷۰ بالمئة من الرحبة العالمية من الحاسبات والعقول الإلكترونية، وأن تفرض لغتها الإنكليزية المتأمركة لغة عالمية في مجال الإعلاميات، فهذا التفوق التكنولوجي جعلها صاحبة السبق في ابتكار أشكال وأدوات النظم المعلوماتية، وبالتالي تسيطر على صناعة المعرفة من خلال مصارف المعطيات التي تختزن كماً من المعرفة والمعلومات مما يعطي للثقافة الأمريكية صفة الشمولية والعالمية، ويجعلها تتحكم في الذاكرة الجماعية للشعوب الأخرى. لهذا، فالنموذج الأمريكي للحياة صار يغزو العالم قاطبة حاملاً الرسالة الأمريكية الثقافية تحت اسم ثقافة العولمة وحرية الاتصال وثورة التكنولوجيا وموت الأيديولوجيا، وهذا ما مهدت له السياسة الأمريكية منذ بداية الثمانينيات 

ماثلاً


وفي حين ينتهي الرأي بأن العولمة هي صياغة العالم النهائية، فحسب هذا الرأي ستكون صياغة غربية وعولمة أمريكية، أي إخراج ثقافات البشر جميعهم ونهائياً من دائرة المنافسة والصراع اللذين امتدا آلاف السنين بين هذه الحضارات وحضارة الغرب، وبالتالي تبعية البشر جميعهم للنموذج الغربي الأمريكي. 



إلا أن

هانتنغتون يصرح في رأي مختلف أن العولمة ليست هيمنه أمريكية بقدر ما هي حضارة كونية أو عالمية المعاني، فهو يقول : إن الفكرة تتضمن عموماً الالتقاء الثقافي للبشرية والقبول المتزايد للقيم والعقائد والاتجاهات والممارسات والمؤسسات المشتركة للشعوب في جميع دول العالم  .




 الموقف العام من العولمة

كما تشتت الباحثون والمختصون في تعريف العولمة، فقد بثّ أيضاً الخلاف بينهم فهم بين مؤيد ومعارض، ووسط بين تأييد واعتراض، فالمؤيدون ينظرون إليها على أنها الرفاهية القادمة لجميع الشعوب وهي النقلة الحضارية التي ستأخذ بيد جميع الدول نحو مستقبل أفضل، وهؤلاء يبشرون بأن البشرية مقبلة على عصر جديد مجيد تنتصر فيه كل القيم الرفيعة كاحترام حقوق الإنسان - خاصة حقوق المرأة - والديمقراطية والعقلانية والموضوعية والتقدم التكنولوجي. وسأعرض هنا

آراء المؤيدين أو المدافعين أو المحايدين عن العولمة :

- يستغرب فرانسيس فوكوياما، أستاذ العلوم السياسية في جامعة مازون وصاحب الكتاب الشهير نهاية التاريخ، رأي الذين يعارضون العولمة، ويرى أن العولمة واعدة بالتحديث وبقدر كبير من الشفافية والانفتاح، وتعليم أفضل وبدافع هو التقدّم في التقنية المعلوماتية الذي لا يمكن مقاومته، والأمم التي ترفضها محكوم عليها بأن تكون متخلفة». وواضح ما في هذا الرأي من التأييد هي أمم متخلفة. والمدافعة الواضحة عن العولمة، حتى إنَّ الأمم التي ترفضها - في نظر فوكوياما -


يقول رونالد روبرتسون: إنني لا أجادل في كون أن المجتمع المكوّن قومياً هو على حافة الانهيار، بل إنه على العكس من ذلك يجدد نفسه في مناطق متنوعة من العالم كالمجتمع المتعدد الثقافات بينما ظهرت القومية الأوروبية القديمة وقوميات أخرى، وإن في ظروف عالمية جديدة في سياق الاهتياج السياسي للعالم عام ۱۹۸۹ والأعوام التي تلته وقد ألحت على أن المجتمعية أي الالتزام بفكرة المجتمع القومي، هي مكوّن أساس للشكل المعاصر للعولمة لتحويل

العالم إلى مكان واحد  .



اما د. محمد عابد الجابري، فيصفها بأنها أيديولوجيا تعبر بصورة مباشرة. عن إرادة الهيمنة على العالم وأمر كله 

ويرى شارل البهر ميشاليه أن العولمة ما هي إلا مرحلة تمر بها الرأسمالية التي تغيرت في كل مرحلة من مراحلها استجابة لصعوبات واجهتها، لكن وإن تغلبت على صعوبات فإنها ستواجه صعوبات ويرى أن العولمة المزق الدول الوطنية وتقيم على أنقاضها مناطق صناعية اقتصادية .

ويرى الصحافي والكاتب فريدريك لوميتر أن العولمة في أزمة، وأن هناك شعوراً عاماً يتعمق شكه في فضائل العولمة، خاصة بعد أيام من افتتاح قمة دافوس تحت حماية الجيش السويسري، إذ إن بعض الشركات بدأت تقلق، وما كان مجرد إحساس صار أمراً مؤكداً - عولمة الاقتصاد - وهذه الشركات هي رأس الحربة . ويرى ليستر و تورو، أستاذ الاقتصاد في جامعة ماساشوسيتس الأمريكية، مقابلة أجراها في اللوموند أن العولمة أمر واقع، وأن الرأسمالية تتجه اليوم إلى فرض نفسها على العالم، وسيتقلص دور الدولة، لأن هناك أشياء لم يعد بإمكانها القيام بها، مثل الرقابة على الرأسمال، لكن هناك مجالات مستحتفظ فيها الدولة، ولوقت طويل بدور مهم مثل الأمن والتعليم الليلة الأعلى ويوضح ليسترو تورو في هذا الرأي أن العولمة واقعة لا محالة، وستكون الهيمنة للرأسمالية.


  في بلات العيا مالك ويرى جيمس روزناو أن العولمة تقيم علاقة بين مستويات متعددة للتحليل الاقتصاد والسياسة والثقافة، والأيديولوجيا، وتشمل إعادة تنظيم الإنتاج، وتداخل الصناعات عبر الحدود، وانتشار أسواق التمويل، وتماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول . إلخ وغيرها، وآليات العولمة في نظره هي التفاعل الحواري الثنائي والجماعي، وتكنولوجيا الاتصال والمنافسة والمحاكاة وتماثل المؤسسات وهنا يرى روزنا و أنه في ظل العولمة ستنظم العملية الإنتاجية، ويحدث تفاعل حواري مع بروز دور تكنولوجيا الاتصال .

.. 


ويرى ديفيد أبتر، أستاذ السياسة المقارنة في جامعة بال، أن استقام فوكوياما فضائل العولمة أهمل بعض النتائج الكارثية للظاهرة، التي هي في البلدان الأكثر تصنيعاً كما في البلدان المسماة عالم ثالث بحيث تقوى الفروق بين المستفيدين منها وضحاياها. لقد قادت العولمة إلى توافق تدريجي للإحساسات الأخلاقية. أما أبتر فيرى أن المخاطر تقلص من فعالية برامج المساعدة الموجهة إلى المهمشين، مما يساهم في وجود البطالة ويؤدي إلى التهميش الاجتماعي


ویری شارل باسكوا أن العولمة ليست قدراً ويستشهد على فشل فكرة العولمة بالتظاهرات التي تصاحب المؤتمرات الخاصة بالعولمة فيقول : إن المظاهرات العارمة في سياتل، والتي لا مثيل لها منذ حرب فييتنام، وأكثر من ذلك التصميم القوي عند كل الوقود على رفض العجلة الطاحنة المتمثلة في جعل العالم سلعة تجارية، النافية للشعور وللثقافات والمصالح الوطنية، لقد ثبت أنها ليست إلا أشكالاً من الأيديولوجية الليبرالية المتطرفة التي تقوم على فرضية عجز الدول، والتي يراد فرضها على الشعوب باعتبارها أمراً واقعاً

شي

أنظمة

- ويذهب الباحثان هانس - بيتر مارتين وهارالد شومان إلى أن العولمة. عبارة عن المجتمع الخمس فيه ثري والأربعة أخماس هم فقراء. ويرون أن أهمية رأس المال الجديدة تقتلع دولاً بمجملها وما تقوم عليه هذه الدول من اجتماعية، وفي حين ترتفع أسعار الأسهم وأرباح المؤسسات بنسب تبلغ عشرة في المئة وأكثر ، تنخفض أجور العاملين ورواتب المستخدمين، وفي الوقت نفسه تتفاقم البطالة بشكل مواز للعجز في الموازنات الحكومية .


ويستند عمرو محيي الدين إلى تعريف محايد للعولمة ذاع في الغرب، وهو زيادة درجة الارتباط المتبادل بين المجتمعات الإنسانية من خلال عمليات انتقال السلع ورؤوس الأموال وتقنيات الإنتاج والأشخاص والمعلومات». ويرى العولمة استخدمت آليتين لعولمة النشاط الإنتاجي * : التجارة الدولية، والاستثمار الأجنبي المباشر مع لعب الشركات المتعددة الجنسيات دوراً واضحاً في ذلك لاختراقها الأسواق العالمية المختلفة بالمنتجات المتعددة والمختلفة أيضاً. ويؤكد عمرو محيي الدين أنه الم يكن من الممكن لهذه العولمة أن يكتب لها النجاح ما لم


تصاحبها وتساندها عولمة سياسية وثقافية في قرارات النخب السياسية في هذه البلدان وفي اختياراتها الاستهلاكية 

وفي رأي آخر يرى مهدي الحافظ أن النقد ينصب على آليات ووسائل العولمة لأنها ذات عواقب خطيرة تتجسّد في تهميش البلدان النامية في النظام العالمي لكن هذا الموقف لا يعكس بدوره فهماً موضوعياً سليماً لظاهرة العولمة باعتبارها مجموعة آليات ووسائل لتطوير القوى المنتجة وتوسيع القدرات التقنية للمجتمع الإنساني، وهي تعبير عن حاجات موضوعية متنامية للتقدم الإنساني، إلا أن المعضلة تبرز في الخلط بين هذه الوسائل والآليات واستخدامها لأغراض

استغلالية وضارة بمصالح الشعوب  .

أما تركي الحمد فيرى أنه من الضروري مواجهة المتغيرات التي سادت افلا بد في النهاية من الانخراط في المتغيرات السائدة والتعايش معها، وإن لم نتخرط بإرادتنا اخترقنا على رغم إرادتنا. ولكن مهما حدث فإنه لن يجعلنا نكف عن أن تكون عرباً ومسلمين أو خلاف ذلك في ما يتعلق بعناصر هويتنا الذاتية. قد لا تكون هذه العروبة» مثلاً متوافقة مع هذا النموذج المفارق أو ذاك، بناء على هذه الأيديولوجيا المتبناة أو تلك، وقد لا يكون الإسلام الممارس متوافقاً مع تلك التأويلات النموذجية المتعالية والمفارقة التي يحملها هذا التيار أو ذاك، ولكن الثوابت المعروفة والممارسة للعروبة والإسلام التي هي معلومات لِكُلّ أحد، لا تحتاج إلى تنظير أو أدلجة أو وصاية ،نخبوية، وهذا ما حصل مع المسيحية التي لم الحداثة الأوروبية».

تلاش مع

ويرى الحمد أننا كعرب بحاجة من أجل المواجهة إلى انقلاب معرفي يحدد من جديد تلك العلاقات التي تربطنا بأنفسنا والعالم من حولنا والكون المحيط، وإذا أردنا أن نمثل تاريخياً هذا الخط فيمكن القول إننا بحاجة إلى العودة، طالما أننا نحب مفاهيم العودة والرجوع إلى الوضع الثقافي والمعرفي الذي كان سائداً قبل تشريع الشافعي للعقل العربي الإسلامي، أو عقلنة العقل العربي الإسلامي وفق المفهوم العربي للعقل .

ويذهب د. سيار الجميل إلى أنه من الضروري لنا كعرب وكمسلمين أن

تصاحبها وتساندها عولمة سياسية وثقافية في قرارات النخب السياسية في هذه البلدان وفي اختياراتها الاستهلاكية 

وفي رأي آخر يرى مهدي الحافظ أن النقد ينصب على آليات ووسائل العولمة لأنها ذات عواقب خطيرة تتجسّد في تهميش البلدان النامية في النظام العالمي لكن هذا الموقف لا يعكس بدوره فهماً موضوعياً سليماً لظاهرة العولمة باعتبارها مجموعة آليات ووسائل لتطوير القوى المنتجة وتوسيع القدرات التقنية للمجتمع الإنساني، وهي تعبير عن حاجات موضوعية متنامية للتقدم الإنساني، إلا أن المعضلة تبرز في الخلط بين هذه الوسائل والآليات واستخدامها لأغراض

استغلالية وضارة بمصالح الشعوب.

أما تركي الحمد فيرى أنه من الضروري مواجهة المتغيرات التي سادت افلا بد في النهاية من الانخراط في المتغيرات السائدة والتعايش معها، وإن لم نتخرط بإرادتنا اخترقنا على رغم إرادتنا. ولكن مهما حدث فإنه لن يجعلنا نكف عن أن تكون عرباً ومسلمين أو خلاف ذلك في ما يتعلق بعناصر هويتنا الذاتية. قد لا تكون هذه العروبة» مثلاً متوافقة مع هذا النموذج المفارق أو ذاك، بناء على هذه الأيديولوجيا المتبناة أو تلك، وقد لا يكون الإسلام الممارس متوافقاً مع تلك التأويلات النموذجية المتعالية والمفارقة التي يحملها هذا التيار أو ذاك، ولكن الثوابت المعروفة والممارسة للعروبة والإسلام التي هي معلومات لِكُلّ أحد، لا تحتاج إلى تنظير أو أدلجة أو وصاية ،نخبوية، وهذا ما حصل مع المسيحية التي لم الحداثة الأوروبية».

تلاش مع

ويرى الحمد أننا كعرب بحاجة من أجل المواجهة إلى انقلاب معرفي يحدد من جديد تلك العلاقات التي تربطنا بأنفسنا والعالم من حولنا والكون المحيط، وإذا أردنا أن نمثل تاريخياً هذا الخط فيمكن القول إننا بحاجة إلى العودة، طالما أننا نحب مفاهيم العودة والرجوع إلى الوضع الثقافي والمعرفي الذي كان سائداً قبل تشريع الشافعي للعقل العربي الإسلامي، أو عقلنة العقل العربي الإسلامي وفق المفهوم العربي للعقل . ويذهب د. سيار الجميل إلى أنه من الضروري لنا كعرب وكمسلمين أن

تعترف بوجود العولمة ومخرجاتها وأنماطها المتعدّدة الوجوه، خاصة أننا كعرب لنا أزماتنا ومشكلاتنا ومعضلاتنا، سواء الثقافية أو السياسية أو الاجتماعية. د. سيار الجميل بعض المقترحات والحلول وهي :

١ - إن العولمة أنماط متعددة الوجوه ومناهج متنوعة الحقول، ومخاطر لامتناهية الحصول وعليه فلا بد من التنبه إلى أن من يعالجها عليه أن يلغي - ولو قليلاً - أفكاره التي تربى عليها.  ٢- إنه لا مراحل تاريخية قد مرت بها العولمة، ومن الضروري أن يتوغل الدارسون والمفكرون في فهم تجليات العولمة لمعرفة تموجاتها المعاصرة ودرء مخاطرها المقبلة والعمل على الكشف عن كيفية العمل ضمن آليات قبل أن

.لها

نصبح

طعاماً

٣ - إن العولمة في مفهومها ومدلولها ليست هي العالمية»، ولا يمكننا البتة أن نقرنها بعالمية الأديان مثلاً أو ببعض المذاهب السياسية والاقتصادية، فالعولمة مصطلحاً ومضموناً، قد ارتبطت بالكونية وأنظمة الإنسان المتنوعة سواء مع الأرض أو في الفضاء.  ٤- إن اتخاذ أية مواقف سياسية أو أيديولوجية أو عاطفية أو دينية أو إطلاقية من العولمة لا يخدم أبداً تفكيرنا العربي ومصيرنا القادم، ولا يمكن لأي متطفل على الموضوع أن يعبر عن هذه المواقف لأنه سيضر بالضرورة بحياتنا الفكرية، سواء أكانت هذه المواقف مع الظاهرة أم ضدها ومنغلقة عنها.

٥ ـ إن على العرب، ومعهم العالم الإسلامي كلّه أن يفكروا في ما يمكن اتخاذه من عمليات في مواجهتهم العولمة والعصر القادم، وما سيتعرض عالمنا وثوابتنا وواقعنا له من مشاكل ومخططات ومشاريع وأدوار وتحديات، ويكون الانغلاق عليها والانعزال عن شبكاتها الاتصالية. اهتمامنا بأولويات العولمة وأبرزها مفاهيمها تجاربها ، وتطبيقاتها. ولا ينفع البتة ٦٥ - ضرورة التوصل إلى تحقيق نتائج عملية وملموسة تكرس لتأسيس كتلة إعلامية متنوعة، ونظام تربوي أكاديمي مشترك، والاستفادة اقتصادية موحدة ـ لنا نحن العرب المسلمين - وكومنولث إسلامي متفتح، وشبكة المجالات الحيوية لتبادل مصالح حيوية، وتأسيس مفاهيم جديدة للمصالح الدولية، وتأمين الدائرة المحيطة الإقليمية التي تحتوي على أكبر احتياط بترولي في العالم، والشروع في خصخصة مرافق الدولة، مع اشتراط ضمان العيش الكريم، وتطوير بناء برلمان



عربي - إسلامي موحد وتمتعه بصلاحيات قوية ومؤثرة لإيجاد حلول عملية

 . للمشاكل الداخلية


 :المصدر

كتاب وقع العولمة في مجتمعات الخليج العربي دبي و الرياض انموذجان


الكاتبة بدرية البشر

بيروت- مركز دراسات الوحدة العربية